السبت، 22 فبراير 2014

عن البوكر وموقف غير المتأهلين للقائمة القصيرة


د. البازعي: التشكيك في صدقية الجائزة أو أهلية المحكمين لا يظهر إلا عند عدم الترشح أو الفوز


د.سعد البازعي
حاوره - فواز السيحاني
    "تأليف كتاب سيئ يتطلب نفس الجهد الذي يتطلبه تأليف كتاب جيد وكلاهما يمثل روح الكاتب!"، كانت هذه إجابة " ألدوس هكسلي" المتصوف الفلسفي والروائي الشهير الذي اهتم في فترة حياته بقضايا الإنسان والكتابة عنها، كانت هذه هي إجابته البسيطة والتي لا يستوعبها إلا العقلاء!؛ حيث إن المشكلة ليست في الجهد أو المدة الزمنية بقدر ما هي في الروح والملكة والرؤية والأسئلة التي تقلق الكاتب ويريد أن يكتب عنها قبل أن تقتله، هذه الإجابة لم تستوعبها حتى الآن بعض الأسماء التي رشحت للبوكر وأحالت عجزها وافتقارها الثقافي إلى اللجنة ، وجهت اتهاماتها التي تشبه صراخ الأطفال المدللين، والتي تنم عن اضطرابات وجدانية في الضمير الثقافي، المفكر والدكتور سعد البازعي كان الأوفر حظاً في استقبال تلك الاتهامات، وكأنّ تقرير المصير بيديه وحده، وكأنه يجلس وحيداً في غرفته ليقرر من يستحق ومن لا يستحق!. الكثير من الصحف العربية عرضت لبعض تلك الانفعالات وتساءلت عن مدى جدواها في حين أن المرشح في البداية قد قبل بالترشيح دون أن يبدي أي اعتراضات على أسلوب الجائزة وطريقتها وفي حال خروجه أعطاها صفات متنوعة كالمناطقية والتحزبية!.

بعض وسائل الإعلام ترحب بالتشكيك والتهزيء وقد تدعو لهما * في البداية د. سعد بعض الأسماء لم يسعها الفرح حينما وصلت للقائمة الطويلة -وهذا حق مشروع بالتأكيد- وبدأت تطلق شعورا يعبر عن حالة قصوى من الرضا تجاه الجائزة وشروطها الموضوعية؛ لكن الذي لا يعد مشروعاً أنه وبعد فترة وجيزة من إعلان القائمة القصيرة تحول ذلك المثقف رجلاً كان أو امرأة إلى وحش ثقافي هزيل، فارغ، طفولي، لأنه نسي مبدأ التنافس وقدرة الآخرين الكتابية والوعي الذي كان يروج له في تاريخه، كيف تفسر ذلك؟.
ردة الفعل العاطفية هي الأقرب للإنسان، أي لنا جميعاً، لكنا مطالبون بعدم الانسياق وراء ردة الفعل الأولى. ومع ذلك فقليلون هم القادرون على ذلك سواء أكان ذلك في عدم الفوز بجائزة أو عدم النجاح في مشروع أو في أي نوع من الخيبات التي تنتظرنا في منعطفات الحياة. ولا أرى ما حدث ويحدث تجاه الفوز أو عدم الفوز بجائزة الرواية العربية العالمية خارج السياق. اللافت هو أن التشكيك في صدقية الجائزة، أي جائزة، أو أهلية المحكمين لا يظهر إلا عند عدم الترشح أو الفوز. ومع رفضي لمبدأ التشكيك السريع والعاطفي فإني أتمنى لو أن أحداً فاز بجائزة وشكك في مصداقيتها. هذا لن يحدث أبداً.
* الأديب الموسوعي" أرنست ساباتو" كان يعرف عن اللغة، عن التربية، عن الرياضيات، عن كل شيء و يملك كماً هائلاً من المعلومات المصحوبة برؤيته المبدعة، لكن لدينا -محلياً تحديداً- أشخاص لا يعرفون أسماء ثقافية مشهورة والتي تعد من البديهيات لكل شخص يهتم بالإنتاج الثقافي في المجال السردي ، هذا يعطيني مؤشرًا مخيفًا أن الكاتب لا يملك مرجعية قرائية، لا أطلب أن تكون واسعة كما هو حال" إرنست ساباتو" بل أرضى بالمحدودة حتى!. كيف يكتب الكاتب إذن؟، كيف يصنع تساؤلاً غارقاً في العمق وقلقاً إبداعيا، كيف يعيد قراءة التاريخ والعالم من جديد، كما فعل ساماراغو أو ألبير كامو مع فارق التشبيه طبعاً؟.
لا أعتقد أن من الجائز التعميم على كتاب الرواية بأنهم لا يصدرون عن ثقافة واسعة أو عميقة. ربما أن في خلفية السؤال نماذج محددة، لكني أتكلم في العموم وأعتقد أن أي كاتب سواء للرواية أو غيرها، لا يمكن أن يكون كبيراً دون ثقافة عريضة وليس مهارة كتابية فحسب. تلك الثقافة تظل نسبية بكل تأكيد لكن الأعمال الكبيرة شواهد على توفر زاد ثقافي كبير. وفي هذا السياق أشير إلى أن إحدى السمات التي غلبت على الروايات الجيدة، سواء تلك التي دخلت القائمة الطويلة أو القصيرة، أو حتى بعض ما لم يدخل، هي الجدية في بحث الموضوع الذي تتناوله الرواية، أي الصدور في سرد الأحدث ورسم الشخصيات عن دراسة وتقصي يصلان أحياناً إلى حد الإبهار.
* أصبحت رئيساً للجنة البوكر في دورتها الحالية وهذا يعد فخراً لنا ولا يسلب حق النقد الواعي من الآخرين بالتأكيد؛ لكن المضحك المبكي حين يصبح هذا المنصب والذي تستحقه وسيلة للانتقام من أشخاص ينتمون إلى نفس الوطن الذي ننتمي له، كل هذا يجعلني اسأل؟ هل بعض مثقفينا سذج إلى هذه الدرجة وغير منصفين؟
أيضاً هي طبيعة بشرية لكنها أكثر استشراءً في البيئات الثقافية التي لم تنضج بما فيه الكفاية. الآخرون يشعرون في تقديري بمشاعر مشابهة، بمعنى أنك ستجد في بيئات ثقافية ناضجة من يشعر بالرغبة في الانتقام أو التشكيك في أهلية شخص ما، لكن مستوى البيئة أو المحيط يجعل من الصعب على ذلك الشخص أن يقول ما يريد دون مبررات منطقية أو أسانيد عقلية. في بيئتنا لا تتوقف وسائل الإعلام عند الترحيب بالتشكيك أو التهزيء وإنما تدعو له وتسعد به، أقصد بعض تلك الوسائل أو الكثير منها بالأحرى.
* امتدحت العمل الروائي" الفيل الأزرق" وبينت الثميات التي اعتمد عليها الكاتب والسياق النفسي والاجتماعي المختزل فيه كذات تحمل متسعاً من المنولوج الداخلي والعوالم الغريبة، هل ما قلته عن هذا العمل ما هو إلا تعليل سابق لفوزه؟ وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في العمل الروائي كي ينال الجائزة لأن لفظة الروائي محليا أصبحت عائمة وضبابية؟
حديثي عن رواية "الفيل الأزرق" لا يعني البتة أنها ستفوز، فلست من يقرر ذلك ابتداءً، لكني ضربت بها مثالاً سريعاً. ذلك أن كل الروايات الست مرشحة للفوز وتقرير الفائز هو رأي جماعي للجنة. أما الشروط فلا تخرج عن شروط العمل الجيد أساساً، لكن مطالب التفوق تستلزم مستويات أعلى من الأداء. في الرواية تحديداً يعكس الفائز رؤية اللجنة دون شك، ولكنها لجنة استوعب أفرادها الكثير من المعطيات والقيم النقدية السائدة وزادوا عليها من محصولهم الفردي فكان من الطبيعي أن يطالبوا العمل بقيم مثل التفرد والتجديد والتماسك والتمثل الصحيح للغة إلى جانب القدرة على تحقيق الشروط الأساسية للسرد الروائي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق