الثلاثاء، 25 فبراير 2014

الروائي الجزائري الحبيب السائح لـ “الأثر”: جائزة البوكر أصبحت خطرا يهدد هوية الرواية الجزائرية؟





النقاد يشكلون مؤسسة لها قواعدها وأخلاقها

جائزة البوكر، موضوع لا يزال يثير جدلا في الأوساط الأدبية والإعلامية الثقافية، جزائريا وعربيا؛ ذلك لما صارت الرواية تحظى به من نشر وإقبال واهتمام. والظاهر أنه فيما يعمل النقد الجزائري والعربي على تأسيس معايير قراءة للرواية تتدخل الجوائز العربية، من خلال لجان تحكيمها، باختلاق معايير أخرى تخدم أهداف هيئة الجائزة أكثر مما تخدم الرواية. لتسليط مزيد من الضوء حول هذه المسألة ذات التأثير الراهن اتصلنا بالروائي الجزائري الحبيب السائح؛ باعتباره أول من تحدث عنها في مقالات له تزامنت مع الإعلان عن قائمتي البوكر الطويلة والقصيرة.. وفي هذا الحوار القصير، يوضح الروائي الحبيب السائح موقفه أكثر حول المسألة.

البوكر، موضوع بدأ يأخذ  اهتماما متزايدا على حساب الانتشار العادي للرواية العربية. كان لكم السبق، في الجزائر على الأقل، في لفت الانتباه إلى ذلك، ما الدافع؟

من يهللون لــ “البوكر” ويروجون لها يريدون أن يقولوا إن هناك معيارا آخر خارج مؤسسة النقد يمكن تحكيمه في توصيف الرواية، من حيث “جودتها” كما من حيث “ضحالتها” لدى الكاتب الواحد أو في بلد بأكمله. مثل هذا التوجه يشكل خطرا حقيقيا على الكتابة السردية نفسها في العالم العربي. وعليه، لا بد من وضع الأمور في نصابها: الجائزة جائزة. والنقد نقد. والرواية فوق كل معيار تفاضلي.

كأنك تبغي أن تقول إن معايير هذه الجائزة مخضعة لأهداف هيئة الجائزة وممولها، وليس لما يمكن أن تتأسس عليه الرواية عامة؟

فعلا، إني أرى الأمر كذلك. وإنه لمن حق أصحاب هيئة الجائزة ومن الممول لها أن يفرضا معاييرهما؛ وعلى النقاد أن لا يغتاضوا لأن الأمر لا يعنيهم قدر عنايتهم باختصاصهم المبني على حرية الضمير ونزاهة النفس. كما على من يطمع من الكتاب في الترشح لها، ومن يسلخ كرامته كي يفوز بالوصول إلى إحدى قائمتيها، أن لا يغتصّ من إقصائه في الفرز الأولي أو في إحدى القائمتين.

من ثمة سيسعى بعض الروائيين لإخضاع كتابتهم إلى ما يتناسب ومعايير جائزة البوكر؟

يبدو أن الأمر، للأسف، يسير عند بعضهم في ذاك الاتجاه؛ ومن ثمة الخطورة التي تمثلها أي جائزة مالية كانت على الكاتب حين يعلق ضميره بطُعمها. إني أعتبر ـ ككثير غيري ـ أن أعظم جائزة يمكن أن يحوزها كاتب هي هذا الصدى الروحاني الذي يرجع إليه من قرائه ومن النقد ومن الدراسات ومن الجامعات.

سبق وأن صرحتم أكثر من مرة أنكم لم تترشحوا لجائزة “البوكر” ولن تترشحوا لها؛ فاعتبر بعضهم ذلك هروبا وبعضهم رآه ترفعا. فما  تعليقكم؟

الجوائز، التي يتم الترشح لها بطلب وبملء استمارة، لم تعنني يوما، ولن تعنيني أبدا. أذكر أني أرسلت مرة واحدة في حياتي ـ لما كنت طالبا في جامعة وهران ـ إحدى قصصي القصيرة إلى “مسابقة القصة والشعر” التي كانت تنظمها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في السبعينيات بإشراف الفنان مصطفى كاتب وبلجنة مكونة خاصة من الروائي الطاهر وطار. وقد فازت قصة “القرار” بالجائزة الأولى، التي كانت عبارة عن حزمة من الكتب القيمة وقتها. (للذكر، فقد فاز بالجائزة قبلي بسنة عمار بلحسن، وفاز بها بعدي سعيد النمسي).
أما فوزي بالجائرة الوطنية للرواية “عبد الحميد بن هدوڤة” 2005، فإنه كان باقتراح من لجنة التنظيم العلمية المحكمة، تقديرا لأعمالي. فلا طلب ولا استمارة ولا قوائم!
فالجوائز  كلها، إذاً، خارج انشغالي. وإنما أنا تحدثت عن البوكر، في مقالاتي السابقة لكون بعض الجهات حاولت أن تجعل منها معيارا لنهوض الرواية أو نكوصها في هذا البلد أو ذاك.
كما حاولت أن تحجب بجائزة البوكر جهد الكتاب الآخرين الذين يتعففون عن المشاركة فيها.

هل يعني ذلك أن الرواية لا تخضع إلا لنقد حقيقي بعيدا عن محاولة ضبطها وفق ما يخدم هذه الجائزة أو تلك على حساب الأدبية؟

هي كذلك. وكل كتابة في حاجة إلى نقد مؤسس؛ كما كل نقد في الحاجة نفسها إلى رواية تتطور باستمرار. إن ذلك يخدم الذوق ويعلي من شأن القيم الروحية والثقافية للمجتمع. إن التقويمات ـ التي تشبه النقد ـ والتي تصدر من لجان التحكيم ليست نقدا. ولا يمكنها أن تكون كذلك؛ لأن بعض أعضاء تلك اللجان أشخاص غير محكّمين نقديا. إن الظروف والحسابات هي التي تأتي بهم صدفة ثم سرعان ما يختفون. أما النقاد فهم يشكلون مؤسسة لها قواعدها وأخلاقها.

بدا اهتمامك طاغيا حول موضوع البوكر من خلال مقالاتك التي نشرت بعناوين مختلفة، بدءا بـ “الرواية في خطر” ثم “جائزة البوكر... مرة أخرى” إلى “من الصعب جدا استيعاب...” و«الكتاب الجزائريون... بصمت الطيور”، ماذا يريد الروائي الحبيب السائح من وراء هذه المقالات التي يستشف منها كشف ما لا يجرؤ على الحديث فيه كتاب ونقاد آخرون مكتفين بالنظر عن بعد؟

++ لعله إحساسي المتوتر بأن الرواية الجزائرية خاصة، والعربية عامة، تكاد تفقد نهائيا رافدها الأساسي؛ الذي هو النقد المحترف، في مقابل هذا التوجه الخطير نحو تكريس معايير من خارجه لقراءة نوع من الرواية ـ بدل كل الرواية ـ وتثمينه والترويج له؛ تجسيدا لمخطط العولمة الزاحفة والشمولية الجديدة.
حاورته: فضيلة بهيليل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق