الأسبوع
الماضي شرّف الأمير سلمان بن عبدالعزيز والأمير مقرن بن عبدالعزيز حفلة
تسليم جائزة الملك فيصل بن عبدالعزيز العالمية. منحت هذا العام جائزة خدمة
الإسلام للنيجيري الدكتور أحمد أبي بكر ليمو. وفاز بجائزة الدراسات
الإسلامية عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان. وحقق
الدكتور عبدالله إبراهيم البو صباح (عراقي) جائزة فرع اللغة العربية
والأدب، في حين فاز بجائزة فرع الطب البروفيسور الصيني لو لي دينيس لو،
وحاز جيرارد بولنتيز (ألماني) جائزة فرع العلوم.
فكرة الجائزة طرحها الأمير خالد الفيصل عام 1397هـ (1977)، لتكون باسم والده الملك فيصل، تغمده الله برحمته. أسأل الله أن تكون له باباً من أبواب الصدقة الجارية؛ لأن المشروع - في حد ذاته - يعد وقْفاً في سبيل التنافس في نشر التراث والحضارة الإسلامية والعلم والمعرفة. ومنحت الجائزة للمرة الأولى عام 1399هـ (1979). وكانت قد حُددت في البداية ثلاثة فروع للجائزة هي: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، والأدب العربي. وفي عام 1401 هـ (1981) أضيفت إليها جائزة في الطب، ومنحت في العام التالي. وفي عام 1402هـ (1982) أضيفت إليها جائزة أخرى في العلوم، ومنحت في عام 1404هـ (1984). هاتان الإضافتان أثْرت قيمة الجائزة علمياً، وأعطتها مزيداً من الشهرة والنجاح والعالمية.
الجائزة اكتسبت سمعة عالمية طيبة، وتبوأت مكانة مرموقة بين كبريات الجوائز في العالم؛ لما تميزت به من دقة وأمانة في اختيار الفائزين. وأضحت شعاعاً عم آفاق الكون، وفخراً للأجيال المقبلة، ومنارة تلمع إلى التراث الإسلامي وتنمية الثقافة الإسلامية. قواعد الترشيح للجائزة صارمة ودقيقة ومحكمة، وهو ما أكسب الأعمال التي قدّمت إليها ونالت الجوائز صدقية ليس لها مثيل بين أقرانها من الجوائز العالمية. وما يؤكد رفعتها وتميزها أن عشرة علماء ممن نالوا جائزة الملك فيصل نالوا بعدها جائزة نوبل. وأكثر من 20 عالماً ممّن نالوا الجائزة أيضاً نالوا جوائز أخرى في مجالهم. بل إن غالبية البحوث التي قدمها العلماء ونالت الجائزة كان لها أثر كبير في تحقيق تقدم جوهري في تخصصاتهم العلمية؛ خدمةً للإنسانية.
وهذا - في حد ذاته - حافز شجّع على توسيع البحوث العلمية وتطويرها؛ لارتياد آفاق جديدة، ولاسيما في مجالي العلوم والطب. كما أتاحت المعايير الموضوعية التي اعتمدتها الجائزة فتح ميدان التنافس الشريف للعلماء والأدباء، كلاًّ في تخصصه، وهو ما أغنى مجالات التخصص تلك، وأسهم في تطورها، وحقق فائدة عظيمة للبشرية.
من دلائل حيادية الجائزة وتميزها أن عدد مَنْ حازوها، منذ إنشائها، إلى هذا العام 1435هـ (2014) بلغ 234 فائزاً من 42 دولة. وبلغ عدد من نالها من الجنسية الأميركية 46، ومن مصر 34، ومن بريطانيا 23. بينما جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الرابعة في حصد هذه الجائزة. إذ بلغ عدد السعوديين الذين نالوا تلك الجائزة 22.
وعلى رغم ذلك ربما يقول قائل إن هناك تمييزاً في منح هذا العدد من السعوديين الجائزة؛ لأن الإدارة المموِّلة والمشرفة على الجائزة من الجنسية السعودية. ويمكن الرد على هذا ببساطة شديدة. ولنأخذ على سبيل المثال جائزة الدراسات الإسلامية، التي كانت من نصيب سعودي هذا العام. فمنذ تأسيس الجائزة إلى هذا العام حُجبت جائزة الدراسات الإسلامية 11 مرة، على رغم أن هناك الكثير من السعوديين قدّموا أعمالهم في هذا الفرع، بسبب قناعة لجنة التحكيم أن الأعمال التي قدمت إليها دون مستوى الجائزة. في المقابل فإن جائزة العلوم لم تُحجب إلا ثلاث مرات، وجائزة اللغة العربية والأدب لم تُحجب إلا عامين، وجائزة الطب وخدمة الإسلام لم تُحجب ألبتة. إن خريطة المملكة الشاسعة بمخزونها الفكري المنفتح، وتلون حراكها الثقافي، تزخر بالكثير من الأسماء في مقدمة الكتّاب والأدباء والمؤلفين في العالمين العربي والإسلامي بخاصة، والعالمي بعامة. وإن نيل بعض الشخصيات السعودية لجائزة مثل جائز الملك فيصل تقديراً لإنجازاتهم - وبما يتواكب مع مكانتهم الدينية والعلمية والأدبية والاجتماعية، التي يكشف عنها عطاؤهم الثر في مراحل مبكرة، في شتى صنوف المعرفة وميادين الأدب والثقافة، ومجالات الحياة الدينية، والثقافية، والاجتماعية، والتربوية - يعدّ تكريماً للوطن أيضاً. صاحب جائزة الدراسات الإسلامية هذا العام غني عن التعريف. هو عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان. هذا الرجل - على رغم أن تخصصه العلمي الفقه المقارن، والفقه المالكي - برز في مجالات ثقافية وأدبية عدة، وأغنى المكتبة العربية بالكثير من مؤلفاته المتنوعة. فمصنفاته وأبحاثه تنوعت بين الفقه والتاريخ والاقتصاد الإسلامي وتحقيق الكتب ومنهجية كتابة الأبحاث العلمية. تفرغ في الأعوام الأخيرة لتحقيق وتأليف الكتب التي عنيت بالتراث الحضاري في الحجاز، مثل: تحقيقه كتاب «الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة»، للشيخ حسن المشاط. وتحقيق كتاب «الجواهر الحسان في من لاقيته من الأعيان» تأليف الشيخ زكريا بيلا. ومؤلفاته: «الحرم الشريف الجامع والجامعة، المقدمة التاريخية للنهضة الفقهية في مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري». و«مكتبة مكة المكرمة، المولد النبوي الشريف». و«العلماء والأدباء الوراقون في الحجاز في القرن الرابع عشر الهجري». وكتابه القيّم «باب السلام ودور مكتباته في النهضة العلمية والأدبية الحديثة»، الذي نال به جائزة أفضل كتاب لعام 1428هـ.
تجدر الإشارة هنا إلى أن تميز أعمال الدكتور أبي سليمان هي التي أوصلته إلى هذه الدرجة الرفيعة، لاستحقاق مثل هذه الجائزة، ولجهوده العلمية المتنوِّعة الراصدة والموثقة لتفاعل الناس حضارياً في الحرم المكي وما حوله ولاسيما كتابه «باب السلام»، معيداً رسمها في حقب تاريخية مهمة، مؤصلاً المُثل والقيم الإسلامية في الحياة الاجتماعية وإبرازها للعالم. ففي كتابه المذكور آنفاً أبرز النشاط الثقافي في مكة المكرمة في كل ما يتعلق بتأليف الكتاب وطباعته وبيعه في القرن الماضي. مثلما اهتم بالأُسر المكية من الأعلام من المفكرين والأدباء، الذين كان لهم باع في جميع الجوانب الثقافية.
* باحث في الشؤون الإسلامية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق