لماذا لا يكرم الشاعر قبل رحيله ؟!.. يتساءل كثير من الشعراء الاردنيين والعرب، لا سيما بعد أن أصبح أقرب إلى الموروث السلوكي في أروقة الثقافة والأدب، إذ يتم تكريم الشاعر والأديب بعد رحيله.
صاحب الإنتاج الشعري الكبير الأستاذ الدكتور جميل علّوش، الذي قال عنه عدد واسع من الادباء بأنه نبراس شعري وأدبي في قلب العالم العربي لا ينطفئ نور قلمه ولا يجف حبر كلامه العميق والواسع، فهو حسب نقاد ومفكرين من أبرز الأسماء على الصعيد العربي.
وخلال ثلاث سنوات قامت ابنته نهلة جميل علوش بتحقيق وتدقيق 13 ديوانا للشاعر الراحل علوش، وقالت لـ"العرب اليوم" انها لم تقدم على مشروع التحقيق الوافي والكامل لكافة أعمال الشاعر المنشورة أو غير المنشورة إلا لأنها وجدت نبع الأدب العميق، وليس لأنها ابنته فحسب.
وتقدمت نهلة إلى وزارة الثقافة، طالبة طباعة أعمال الراحل الشعرية في مجموعة واحدة، واستجابت الوزارة وأعادت طباعة الدواوين نظرا لعدم توافر نسخ إلكترونية.
ثلاث سنوات تقول نهلة، كانت تبحث فقط عن طباعة مشرفة تليق بمستوى الأدب والشعر لدى الراحل علوش الذي يمتلك وزنا شعريا رفيعا بين الشعراء، وتنحصر الدواوين الثلاثة عشر في جزأين واسعين إذ حرصت على جمع هذه القصائد من المكتوبة بخط يد الشاعر علوش، ويبدو أنها خلال البحث كانت تتنفس الشعر وتتنفس آثار يديه على الورق.
وأضافت ان حصيلة ما شمله الكتابان تتوزع على قصائد مطبوعة على أوراق منفصلة وجمعت أيضا ما نشر من هذه القصائد في مجلات وصحف عربية، حتى أنها جمعت مقابلات متلفزة وذكرت خلالها بعض الأبيات، ولم تنس دفتر الشاعر في المدرسة ومواقع الانترنت وتواريخ احداث بعض القصائد، إذ تم التحقق منها من الإنترنت.
إذا هي عملية بحث وتدقيق عميق لا مثيل لها هذه الأيام، هل كان الشعر يأكل يدا نهلة ليذكرها بوالدها الأديب العربي، أم أن قصائد جميل علوش كانت كمشكاة في المسك الحرفي للكلمة ؟؟ يتساءل القارئ عندما يمس أولى صفحات الأعمال الشعرية الكاملة منذ عام 1937 وحتى 2010.
"ولكني على إقلالي مطيل" هذا ما قاله الشاعر الراحل جميل علوش في إحدى كلماته عن ينابيع شعره، الذي وضعت نهلة هذا الحديث في مقدمة الأعمال الشعرية الكاملة، فالسبب في أنه مقل في النشر لكنه مطيل، هو أنه يمتلك غزارة في العواطف ورهافة الأحاسيس وطول الخبرة بالحياة والناس.
علوش الشاعر الشامل لكل الآفاق والأبعاد التي تعتصرها النفس وتكمن في خلجاتها، كان له رسائل مبدئية وقومية تقتات روحه عليها لتخرج أنفاس الشعر كأنها ماء ورد مصفى على نهر الكلام، ولا يجف الكلام.. لا يجف النهر..
جرح فلسطين الغائر، كانت ديدن الشاعر علوش، فقوميته لم تأت من سراب فقد وقع في النكبة وعمره لا يزيد على عشرة أعوام، وقد سهل الإختلاط بالمجاهدين ووجود مقرهم الرئيسي في بلدي بيرزيت، "فكنت أراهم كل صباح ومساء" يقول علوش.
نشأ في ظلال الدعوة العربية من الثورة العربية الكبرى إلى ظهور حزب البعث العربي الإشتراكي وثوراته المتلاحقة في الوطن العربي، وكتب أيضا عن الغربة فهو مشرد فلسطيني حوله الحنين إلى شاعر حزين في كثير من قصائده التي تتسم بوصف الوطن.
وكتب الراحل جميل علوش عن المرأة التي كانت من ينابيع شعره، وعلى الرغم من كل القيود التي كانت تمارس علينا، وعلى الرغم من صفة الحياء الشديد التي كانت وما زالت تغالبني في التعامل مع المرأة، يقول الشاعر ويتابع .. فلست من نمط قباني المغامر المقامر ولا من نمط شوقي المترف المتمرد على القيود، بل أنا أقرب إلى نمط المطران الحيي المنبط.
ومثل المرأة الجميلة فالطبيعة أرض الجمال وجمال الأرض وقد كانت منبع الوحي في الكتابة والإيحاء لما في القلب، لدى الشاعر جميل علوش.
من بعض أبيات قصائده ، من قصيدة تموز في بغداد :
سيري على الدرب سيري .. درب الكفاح العسير
واستزئي بالعوادي .. وشرها المستطير ..
بغداد ليس مصاب .. قاسيته بيسير
ومن قصيدة إلى الشعب التي اخترناها لكم:
أيا شعب يوم يزول ويفنى … لئيم بغيض المنى راضع
وتخلد ثوراتك الجامحات … ويبقى لها النشأ الطالع
يرددها بالفدى شارع … ويمشي بها حرة شارع
سيبقى كفاحك رغم الطغاة … إلى أن يحل الغد الرائع
وقال عنه أدباء، كما لخصت في الكتاب ، أنه صاحب انتاج شعري ونثري كبير، نشر منه الكثير في الصحف والمجلات الأردنية والعربية، له من المؤلفات ما يزيد عن ثلاثين كتابا، آخرها ديوان شعر بعنوان : "آخر المطاف" من إنتاجه الشعري : عرس الصحراء ، خوابي الحزن ، أشواق ، جراح ودماء / مواكب الربيع ، رباعيات شعرية ، وغيرها .
ومن الإنتاج النثري : عمر أبوريشة : حياته وشعره والشعراء ، دروس في علوم العربية، فصول في الثقافة اللغوية ، من حديث الشعر والشعراء ، من جدل النحو والإعراب ، مناظرات في اللغة والنحو ، مزالق الشعراء وغيرها .
شارك علوش في مهرجانات ومؤتمرات ونشاطات أدبية ثقافية عدة، كما شارك في عدد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، أجريت معه مقابلات تلفزيونية وإذاعية وصحفية عدة.
من أبحاثه : الفصحى والعامية والصراع على مناطق النفوذ، الإرعاب وأهميته في الكلام العربي، الجواهري : شاعر العرب الأكبر ، النزاعات اللاعقلانية في الفكر اللغوي.
كما عمل الأستاذ جميل علوش في العديد من الجامعات والكليات الأردنية، كما أنه شارك في مختلف النشاطات الأدبية والثقافية من خلال مؤسسات ثقافية عدة في الكويت والأردن.
الدكتور جميل علّوش هو شقيق المناضل والمفكر القومي ناجي علّوش الذي رحل أيضا عن هذه الحياة في التاسع والعشرين من شهر تموز من العام الماضي. ومن لا يعرف الدكتور جميل علّوش، فإنّه يُعتبر من ألمع اللغويين العرب في عصرنا الحاضر. فقد قضى سنوات طوال في التأليف والقراءة والبحث والتعليم، كان نتاجها عشرات المقالات وكتب النقد والدراسات اللغوية والمجموعات الشعرية، والإشراف على العديد من رسائل الدكتوراة.
ولد جميل إبراهيم سالم علّوش في بيرزيت عام 1937، وهو عضو رابطة الأدباء في الكويت، واتحاد الكتاب الفلسطينيين في الكويت، والنادي العربي في عمّان، ورابطة الكتاب الأردنيين في عمّان، واتحاد الكتاب الأردنيين في عمّان.
تخرج من جامعة دمشق في عام 1967 حاصلا على الليسانس في اللغة العربية، ومن جامعة القديس يوسف في بيروت حاصلا على درجة الماجستير في النحو العربي عام 1972، ومن الجامعة نفسها في عام 1977 حاصلا على الدكتوراة (دكتوراة دولة) في النحو العربي.
وصف النقاد العرب الشاعر الدكتور جميل علّوش بأنه فلسطيني المولد والغربة، عربي الفكر، قومي الشعور، مدافع عن اللغة وسبّاق للغيرة عليها والولاء لها، يجد ضالته في اللغة في سور القرآن الكريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق