الثلاثاء 13 مايو 2014 / 16:58
24 ـ خاص
أمور كثيرة تكشفها المكالمة المسربة بين رئيس الوزراء، وزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم، والعقيد معمر القذافي، لعلّ من أبرزها تآمر قطر على الدول العربية الأخرى، وعلى رأسها السعودية، ومناصبة المملكة عداء واضحاً، وسعيها إلى تقسيمها لدول عدة.
في أكتوبر 2013 نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خريطة قالت إنها لما يسمى الشرق الأوسط الجديد والتي يتمّ فيها تقسيم المنطقة بما في ذلك العراق وسوريا والسعودية واليمن وليبيا إلى دويلات عدة
وجدت قطر في ما بات يسمى الربيع العربي فرصة أخرى سانحة لتحقيق مكاسب سياسية في المنطقة ولتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد
قطر واصلت وما زالت تواصل اللعب على الحبال ومحاولة خلط الأوراق وما زالت تراهن على تنظيم الإخوان
هذه المكالمة الخطيرة، التي تمت على الأرجح في الفترة نفسها لمكالمة أخرى سربت لأمير قطر السابق حمد بن خليفة، يقول فيها إن السعودية لن تعود موجودة بعد 12 عاماً، وهو ما يكمل صورة المشروع القطري التآمري على المملكة: تقسيم المملكة خلال 12 عاماً إلى دويلات عدة، وهو ما كان يحتاج بحسب الأمير القطري السابق، إلى أن تتفرغ الولايات المتحدة لهذه المسألة، بعد استكمال أهدافها من غزو العراق، الذي لم يكن قد مضى عليه في ذلك الحين سوى أشهر قليلة.
بداية الخيطعلى الرغم من إشارة بعض المصادر الإخبارية، التي سربت أجزاء من تسجيل حمد بن جاسم في 2011 و2012 (يمكن العثور على يوتيوب على تلك المقاطع المسربة)، إلى أن التسجيل أو المكالمة تمت في 2009، فإن الوقائع الواردة في كلام حمد بن جاسم نفسه تؤكد تاريخاً مختلفاً، وتلقي ضوءاً مختلفاً على حيثيات تلك المكالمة، ولماذا تمّت في ذلك الحين بين مسؤول قطري رفيع والعقيد معمر القذافي.
في التسجيل يقول حمد بن جاسم إنه وقع "قبل 7 أو 8 أشهر" مع وزير الدفاع الأمريكي في حينه دونالد رامسفيلد ما أسماه "اتفاقية تنفيذية" تقضي بتوسيع نطاق القاعدة الأمريكية في قطر، وذلك بناء على الاتفاقية السابقة الموقعة قرابة عام 1993، وهي الاتفاقية نفسها التي تم تجديدها العام الماضي فقط، 2013، على الرغم من قول حمد بن جاسم في التسجيل إن المتبقي من الاتفاقية تسع سنوات، ملمحاً إلى أنه لن يتمّ تجديد تلك الاتفاقية. وبالعودة إلى الأرشيفات الصحافية الغربية، فإن ذلك التوقيع على الاتفاقية التنفيذية التي تقضي بتوسيع كبير للقوات الأمريكية في قطر، تمّ بتاريخ 12 ديسمبر 2002، وهو ما يعني بعملية حسابية بسيطة أن المكالمة بين حمد بن جاسم والقذافي، تمت بين يونيو ويوليو 2003، أي بعد أربع أو خمس أشهر على أبعد تقدير من الغزو الأمريكي للعراق.
الخارطة السياسية للمنطقةفي ذلك الحين تناولت الصحف الأمريكية خبر التوقيع باهتمام. فذكرت صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "التهديدات والردود عليها: الولايات المتحدة وقطر توقعان اتفاقية لترقية القوات الأمريكية"، أن "القوات الأمريكية وقطر وقعتا اليوم اتفاقية بترقية القواعد العسكرية الأمريكية في قطر، وهي القواعد التي يمكن أن يستخدمها الأمريكيون في حال غزوهم للعراق".
الإشارة الثانية المهمة في ذلك الخبر، والتي تعكس إلى حدّ بعيد الأجواء التي كانت سائدة في حينه، وتنسجم تماماً مع كلام حمد بن جاسم المسرب، هي التي تتعلق بالمملكة العربية السعودية. يقول خبر نيويورك تايمز في مكان آخر: "هناك اليوم 5000 جندي أمريكي في العراق، ويقول المحللون إن قطر تكتسب سريعاً أهمية متزايدة بالنسبة إلى الأمريكيين على ضوء حرب محتملة مع العراق والتوتر الأخير في العلاقات الأمريكية السعودية".
هذا كله يؤشر إلى أن قطر كانت تقوم بثلاثة أمور معاً في ذلك الحين:
أولاً، وساطة مع معمر القذافي (والأرجح سواه من القادة العرب) للمساهمة في إنجاح عملية غزو العراق، أو على الأقل عدم الوقوف ضدها.
ثانياً، توطيد علاقاتها مع أمريكا وبريطانيا على وجه الخصوص، لاستكمال المخطط الأمريكي في المنطقة، والمعروف باسم "الشرق الأوسط الجديد"، وتوفير المظلة الآمنة، سواء لوجستياً وعسكرياً، أو دبلوماسياً وسياسياً، لعملية غزو العراق.
ثالثاً، تضع الخطط والإستراتيجيات لرسم المنطقة جيوسياسياً بما يتلاءم مع مصالحها، واضعة المملكة العربية السعودية على رأس أولوياتها، وصولاً إلى هدف محدد – تعتبره القيادة القطرية واقعياً وممكناً (خاصة بعد نجاح غزو العراق) وهو تقسيم السعودية.
ما الهدف؟لا يحتاج الأمر إلى الكثير من التحليل. كلام وزير الخارجية القطري السابق يكفي لتوضيح الصورة: قطر دولة صغيرة. نعلم أن السعودية أقوى منا. الخشية على النظام الحالي في قطر من "الانقلاب" على غرار ما حدث بين حاكم قطر السابق ووالده. أدرك القطريون إذن أنهم يستطيعون أن يلعبوا دور الوكيل الأمريكي في المنطقة، وهو ما كان لابدّ من أن يمرّ عبر موافقة إسرائيل أو تواطؤها، ومن هنا التقارب القطري الإسرائيلي الذي لم يجد وزير الخارجية القطري السابق بداً من تأكيده في كلامه مع العقيد القذافي.
هذه الوقائع، وسواها، واعترافات "الحمدين" (حمد بن خليفة وحمد بن جاسم) في التسجيلات المسربة، تؤكد أن القرار القطري بالتآمر على السعودية والسعي إلى تقسيمها، وضرب علاقاتها سواء مع جيرانها في مجلس التعاون الخليجي، أو مع الولايات المتحدة الامريكية، يعود إلى وقت سابق، وما كلام حمد بن جاسم المسرب هذا، سوى تعبير عن تراكم تلك الخطة القطرية التراكمية، وشعور الدوحة في حينه بأنها تكتسب زخماً سياسياً وعسكرياً سيمكنها من التنافس مع المملكة العربية السعودية، وصولاً إلى احتلال موقعها المركزي في الواقع السياسي العربي.
ثمن ذلك كان بالطبع: العراق. وما تشير إليه الصحيفة الأمريكية من "توتر العلاقات" مع السعودية في ذلك الحين، يعود إلى هذا الملف بالتحديد. فاتفاقية توسيع القواعد الأمريكية في قطر، في ديسمبر 2002، جاءت بعد شهرين فقط من إعلان السعودية الواضح والصريح، عبر وزير خارجيتها سعود الفيصل، بأن السعودية ترفض الحرب على العراق ولن تسمح باستخدام أراضيها لضرب العراق (مؤتمر صحافي لسعود الفيصل من الجزائر في 12/10/2002)، وأن جهودها ستنصب على المساعي الدبلوماسية لوقف الحرب، وهو ما قامت به الإمارات العربية المتحدة في ذلك الحين، حيث قام المغفور له رئيس الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بمساع دبلوماسية حثيثة ومعلنة، لمحاولة منع الضربة الأمريكية المحتملة واحتلال العراق.
حاولت قطر منذ ذلك الحين الاستفادة من هذه الوقائع، ومن الموقف العربي المعلن في حينه والمعارض لأيّ ضربة أمريكية للعراق. فقدمت تسهيلات كبيرة للأمريكيين مكنتهم وبسرعة قياسية من زيادة حضورهم العسكري في قطر، وبذلك اعتبرت أنها توجّه ضربة للمملكة، عبر إعلان نفسها الوكيل الحصري للغرب في المنطقة، وهو الدور الذي سيتطور أكثر فأكثر من ذلك الحين، وصولاً إلى "الربيع العربي".
الشرق الأوسط الجديد
في أكتوبر 2013، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خريطة قالت إنها لما يسمى "الشرق الأوسط الجديد" والتي يتمّ فيها تقسيم المنطقة، بما في ذلك العراق وسوريا والسعودية واليمن وليبيا، إلى دويلات عدة. ولعلّ هذا التقسيم، فيما يخصّ المملكة تحديداً، هو بالتحديد ما يشير إليه "الحمدان" في التسجيلات المسربة.فبحسب خريطة نيويورك تايمز تلك سيتم تقسيم المملكة العربية السعودية، إلى 5 دويلات: "وهابستان" في الوسط، ومكنة والمدينة وجدة في الغرب، ودويلة في الجنوب، وأخرى في الشرق مع الدمام، ودويلة في الشمال.
وتفيد مصادر مطلعة بأن قطر عملت على بناء تحالفات خليجية، في وجه المملكة العربية السعودية، وهو ما رفضته تلك الدول، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة والكويت، كما حاولت إنشاء تحالف مع ليبيا معمر القذافي، في سعي منها إلى إقامة جبهة موحدة ضدّ المملكة، وفي حين وصل إلى الدوحة جواب واضح من الإمارات والكويت بأنهما لن تكونا طرفاً في مثل هذه المؤامرة، ولو تحت مسميات أخرى، وتأكيداً منهما على محورية المملكة في المنطقة، فقد لقيت تجاوباً من معمر القذافي الذي بدأ يخطط بجدية منذ ذلك الحين لتحقيق هذا الهدف، وصولاً إلى مؤامرة الاغتيال الفاشلة ضدّ خادم الحرمين الشريفين (حين كان ولياً للعهد)، التي تمّ الكشف عنها في مارس 2013، والتي لعب فيها المعارض السعودي المقيم في لندن (والذي يأتي حمد بن خليفة على الاستشهاد به في التسجيل المسرب) دوراً بارزاً، بالتعاون مع الاستخبارات الليبية، بحسب مصادر إخبارية.
"الربيع العربي"/ الإخوان وقطروجدت قطر في ما بات يسمى "الربيع العربي" فرصة أخرى سانحة لتحقيق مكاسب سياسية في المنطقة ولتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الآنف الذكر، متكئة هذه المرة على ورقة عملت باكراً جداً على استثمارها، وهي ورقة الإسلام السياسي، وتحديداً تنظيم الإخوان المسلمين. فقد سعت قطر إلى إقناع الحليفين الأمريكي والبريطاني في ذلك الحين، بأنها تمسك ورقة الإخوان، ناهيك عن عملها الدؤوب، من خلال مراكز دراسات وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج ووسائلها الإعلامية المعلنة وغير المعلنة، لإقناع الولايات المتحدة، والغرب عموماً، بأن تنظيم الإخوان المسلمين هو الأكثر شعبية وحضوراً في الشارع العربي، وبالتالي لابدّ من التوصل إلى تسوية معه، إذا كانت الولايات المتحدة تريد استمرار دورها المحوري في المنطقة العربية.
سعت الدوحة باكراً إلى تصوير نفسها على أنها راعية ما يسمى الربيع العربي، الذي رأت فيه فرصة ثمينة لتحقيق هدفها القديم المتجدد، أو استكماله، وهو أن تحتل مركز الريادة والقرار السياسي في المنطقة، بدلاً من المملكة العربية السعودية "العجوز" بحسب توصيف "الحمدين"، بل إنها سعت في خطابها الإعلامي وعبر منابر مساجدها، كما يتبدى من كلام أمير قطر السابق حمد بن خليفة، إلى تأكيد هويتها "الوهابية"، بل الإشارة إلى أنها سابقة للمملكة في ذلك، تمهيداً لإعلان موقعها القيادي حتى داخل السعودية نفسها، في حال حصل التقسيم الموعود.
وفي هذا السياق جاء دعم قطر الواضح الإعلامي (عبر الجزيرة وغيرها) والدبلوماسي المعلن والخفي، لتحركات أطراف مناوئة للسعودية على أراضيها، كما في البحرين واليمن، محولة في الوقت نفسه الساحة السورية إلى ساحة نزاع على النفوذ مع المملكة العربية السعودية، أكثر مما هو مع نظام بشار الأسد، وهو ما يرى مراقبون أنه كان الحاسم في خسارة سوريا سياسياً، قبل خسارتها عسكرياً، بل وسعت قطر، عبر الولايات المتحدة، إلى إطالة أمد الأزمة السورية، أطول وقت ممكن، في محاولة منها لإحداث مزيد من الفوضى، وتكريس نفسها لاعباً أساسياً في أية تسوية مقبلة، وهو ما ووجه دولياً بردّ روسي واضح بأن قطر لن تكون على طاولة أيّ مفاوضات حول مستقبل سوريا، كما قوبل من قبل المملكة العربية السعودية برفض استغلال مأساة الشعب السوري بهدف تحقيق مكاسب سياسية ضيقة.
وفي هذا السياق، وبعد سنوات طويلة كانت دول المنطقة، ولاسيما الإمارات والسعودية، ترى بالأدلة والبراهين المحاولات القطرية المستميتة لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، عبر الرافعة الإخوانية هذه المرة، متدخلة في شؤون دول مجلس التعاون، وممارسة أدواراً استخباراتية وإعلامية مشبوهة في هذا السياق، جاء إعلان سحب السفراء من الدوحة، وذلك لوضع الأمور في نصابها الصحيح، ورفع بطاقة حمراء في وجه الدوحة، لكي تكفّ عن أوهامها التوسعية هذه، وتعود إلى الحضن الخليجي، إلا أن قطر واصلت وما زالت تواصل اللعب على الحبال ومحاولة خلط الأوراق، وما زالت تراهن على تنظيم الإخوان، لكي يعيد لها "المكاسب" التي تعتقد أنها حققتها خلال عقدين سابقين من الزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق